بقلم الدكتور:- إبراهيم حامد عبداللاه
أستاذ الأدب الألمانى…-عميد كلية الألسن
…رئيس قسم اللغة الألمانية كلية الآداب..
جامعة بنى سويف
إن إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني، أحدث ثورة في فهم العلاقة بين السلطة والمعرفة من خلال عمله الرائد الاستشراق (1978) في هذا العمل، يحلل سعيد كيف قام الغرب بتصوّر الشرق – ما يسميه “الآخر” – تاريخيًا وثقافيًا من أجل تعزيز شرعية هيمنته وامتيازاته. “الاستشراق” كما يصفه ليس مجرد مفهوم أكاديمي، بل هو أيضًا خطاب أيديولوجي متجذر في المؤسسات الغربية.
مفهوم الاستشراق
فـ “الاستشراق” بالنسبة لسعيد هو أكثر من مجرد مجموعة من التصورات حول الشرق. إنه نظام من الأفكار والتمثيلات التي يستخدمها الغرب لتصوير الشرق ككيان غريب ومتخلف. هذه التصورات التي تم نشرها في الأدب والفن والتاريخ والسياسة، سمحت للغرب بتحديد نفسه كمتفوق ومتمدّن. حيث يجادل سعيد بأن الغرب، من أجل تبرير استعماره، خلق صورة للشرق كـ”الآخر” الذي يعمل كضد لـ”الذات” الغربية.
الهيمنة الثقافية والخطاب
إن أحد الجوانب المركزية في نظرية سعيد هو دور “الخطاب”. الخطاب هو مجموعة من الأفكار والممارسات التي تحدد كيفية التحدث عن موضوعات معينة. في حالة الاستشراق، يُعد هذا الخطاب الأداة التي يستخدمها الغرب لتصوير الشرق والتحكم فيه. يؤكد سعيد على أن المعرفة والسلطة غير قابلين للفصل. فالخطاب الغربي حول الشرق ليس مجرد مجموعة من التصورات الخاطئة، بل هو أداة للسلطة التي مكنت الدول الغربية من الحفاظ على سيطرتها على الشرق.
ينتقد سعيد الاستشراق الغربي لأنه لا يظهر الشرق في تعقيداته وتنوعاته، بل يختزله إلى صور نمطية. يُصوَّر الشرق على أنه متخلف وغامض ومتأخر عن الغرب. هذه التمثيلات لم تؤثر فقط على السياسة، بل شكلت أيضًا التصور الثقافي للشرق في العالم الغربي.
“اختراع” الشرق الأوروبي
إن أحد التصريحات الأكثر استفزازًا في عمل سعيد هو قوله إن الشرق هو “اختراع أوروبي”. بمعنى أنه لا يوجد شيء اسمه “الشرق” في الواقع، بل هو اختراع من قبل المفكرين والمستعمرين الأوروبيين. هذه الفكرة كانت ضرورية للغرب لكي يعرّف نفسه كمتفوق ويصوّر الشرق كمكان غريب وغير معروف ومختلف. هذه الفجوة المصطنعة بين الغرب والشرق كانت أساسًا للاستعمار والهيمنة السياسية والثقافية الغربية.
مخاطر “التفكير الجوهري”
توجد نقطة أخرى مهمة في انتقاد سعيد هي “التفكير الجوهري” الذي يوجد في الخطاب الغربي والشرقي على حد سواء. فالتفكير الجوهري يعني أن بعض الصفات تعتبر “حقيقية” وثابتة لثقافة أو شعب معين. في حالة الشرق، يعني ذلك أن الغرب يختزل الشرق إلى صفات مثل التخلف، والغموض، والغريب. يحذر سعيد من أن مثل هذه التصورات الجوهريّة لا تقتصر على تشويه “الآخر”، بل يمكن أن تقيد هوية الغرب نفسها بتخفيضها إلى صور نمطية مبسطة.
انتقاد سعيد للثقافة الغربية
لا يقتصر انتقاد سعيد على الاستشراق فقط، بل يشمل أيضًا الثقافة الغربية بشكل عام. فهو يتساءل كيف ساهم المفكرون والعلماء الغربيون في خلق هذه الصور الزائفة عن الشرق. فهو يشير إلى أن الغرب غالبًا ما ينظر إلى الشرق من خلال “نظرة موحدة”، ويتجاهل الفروقات الثقافية داخل الشرق نفسه. يطالب سعيد بالنظر إلى الثقافات المختلفة من خلال منظور دقيق، ويشجع على مواجهة الافتراضات المسبقة والصور النمطية.
انتقادات لسعيد: رؤية أكثر توازنًا
على الرغم من أن عمل سعيد يُعتبر محوريًا في العديد من الأوساط، إلا أنه تلقى أيضًا انتقادات واسعة. فبعض النقاد يتهمونه بتقديم الاستشراق كخطاب موحد، دون التمييز بين وجهات نظر مختلفة في الغرب. فهناك آخرون، مثل المؤرخ يورجن أوسترهامل، يعتقد أن سعيد يتجاهل إنجازات الاستشراق – أي الدراسة العلمية للشرق – ويختزلها إلى مجرد دعاية استعمارية. كما ينتقد أوسترهامل سعيد لاعتقاده أن الغرب يجب أن يُعامل ككتلة ثقافية موحدة، وهو ما يؤدي إلى تبسيط مفرط.
وكذلك المؤرخ أندريا بولاشيج وغيرهم من النقاد يعترضون على أن سعيد يتبنى “التفكير الجوهري” الذي ينتقده في الغرب، ويقولون إنه يطبق نفس المنهج في انتقاده للغرب. وهم يشيرون أيضًا إلى أن جميع الثقافات، بما في ذلك الشرق والغرب، تستخدم نفس الآليات للتعامل مع “الآخر”، وأن هذه الديناميكيات توجد في كل ثقافة.
مساهمة مستمرة في النقد الثقافي
على الرغم من الانتقادات، يظل كتاب سعيد الاستشراق حجر الزاوية في نقد الهياكل السياسية الغربية وتداخلها مع البُعد الثقافي. لقد غيّر عمله فهمنا للطريقة التي تتشابك فيها المعرفة مع السلطة. يدعو سعيد إلى ضرورة التساؤل عن افتراضاتنا الثقافية وتطوير فهم دقيق لـ”الغرابة” و”الآخر”. يظل كتابه مرجعًا مهمًا لكل من يسعى لفهم ديناميكيات السلطة والثقافة في السياقات الدولية.

أقرأ التالي
9 أبريل، 2025
ماكرون يصيح… يا إلهي!.. بقلم السفير د/ الحبيب النوبي
9 أبريل، 2025
وزير الإسكان يعقد اجتماعه الدوري مع أعضاء البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ.. تفاصيل
8 أبريل، 2025
هشام طلعت مصطفى يشتري 300 ألف سهم من طلعت مصطفى القابضة
8 أبريل، 2025
وزيرا الإسكان والتخطيط يشهدان ويوقعان اتفاقيات تمويل ومنح بقيمة 131.5 مليون يورو لمشروعي محطتي صرف “الجبل الأصفر” و”شرق الإسكندرية
زر الذهاب إلى الأعلى