منوعات

بين رواية “فابيان” لإيريش كاستنر ورواية “القاهرة الجديدة” لنجيب محفوظ

⁦✍️⁩بقلم:- أ.د. ابراهيم حامد عبداللا
عميد كلية الالسن جامعة بني سويف الأسبق
رئيس قسم اللغة الالمانية بكلية الآداب جامعة بني سويف

تتناول هذه المقالة مقارنة بين رواية “فابيان” للكاتب الألماني إيريش كاستنر ورواية “القاهرة الجديدة” للكاتب المصري نجيب محفوظ، مع التركيز على الخلفية التاريخية والاقتصادية التي أثرت على كل من الروايتين، بالإضافة إلى تحليل الشخصيات الرئيسية والمواضيع المشتركة.

وُلد إيريش كاستنر في 23 فبراير 1899 وتوفي في 29 يوليو 1974. يُعتبر كاستنر أحد أبرز الكتاب الألمان في القرن العشرين، وقد عُرف بأسلوبه الساخر ونقده الاجتماعي. بينما وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911 وتوفي في 30 أغسطس 2006. يُعتبر محفوظ أول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، وقد عُرف بأسلوبه الواقعي وقدرته على تصوير الحياة المصرية بكل تعقيداتها.

تدور أحداث رواية “فابيان” في فترة جمهورية فايمار (1919-1933) في ألمانيا، وهي فترة شهدت اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة. بعد الحرب العالمية الأولى، حيث عانت ألمانيا من التضخم المفرط والكساد الكبير، مما أدى إلى فقدان الثقة في الحكومة وزيادة الفقر والبطالة، فالرواية تعكس هذه الظروف من خلال شخصية ياكوب فابيان، الذي يمثل جيلًا كاملًا عانى من خيبة الأمل.

في المقابل، تُظهر رواية “القاهرة الجديدة” واقع مصر بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت البلاد تعاني من الفساد الاجتماعي والاقتصادي، حيث أدت التغيرات السياسية إلى تفشي الفقر وعدم المساواة، كما تتناول الرواية قصة محجوب عبدالدايم، الطالب الذي يسعى لتحقيق أحلامه في ظل ظروف اجتماعية صعبة.

إن شخصية ياكوب فابيان تجسد المثالية المفقودة في المجتمع. هو شاب ذكي ومثالي، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في التكيف مع الواقع القاسي الذي يعيشه. تتجلى مشاعره من خلال سعيه للتمسك بقيمه الأخلاقية رغم الضغوط الاجتماعية. على الجانب الآخر، يمثل محجوب عبدالدايم شخصية أكثر براجماتية، يضطر لاتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على مكانته الاجتماعية، مما يعكس التحديات التي يواجهها الشباب في المجتمع المصري، وتتطور شخصيته بشكل يعكس الصراع بين القيم التقليدية ومتطلبات الحياة الحديثة.

كلا الروايتين تتناولان مواضيع الفقر والفساد بشكل عميق. في “فابيان”، يتم تصوير المجتمع الألماني كعالم مليء بالفساد الأخلاقي والاجتماعي، بينما تعكس “القاهرة الجديدة” الفساد الإداري والاجتماعي في مصر. كما تتناول الروايتان أيضًا مسألة الهوية وكيف يؤثر السياق الاجتماعي والسياسي على الفرد. إن فابيان يسعى لإيجاد مكانه في مجتمع فاسد، بينما يسعى محجوب لتحقيق أحلامه وسط ظروف معقدة.
تتناول روايتي “فابيان” لإيريش كاستنر و”القاهرة الجديدة” لنجيب محفوظ أسباب الفقر في مجتمعاتهما بشكل عميق، حيث تعكس كل منهما الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى إفقار شرائح واسعة من السكان.

وكانت الأسباب الرئيسية للإفقار في “فابيان”، الكساد الاقتصادي، الذي عكسته الرواية كأثر مدمر في عشرينيات القرن الماضي، حيث فقد الكثيرون وظائفهم ومدخراتهم، هذا الكساد أدى إلى تفشي الفقر بين الطبقات الوسطى والفقيرة.

أما الفساد السياسي، الذي كان يعاني منه المجتمع في الرواية، والذي كان مستشرٍ بين المجتمعات الفقيرة، مما زاد من معاناة الناس وأدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية.
تعيش الشخصيات داخل الرواية في بيئة مليئة بالاضطرابات الاجتماعية، حيث تؤدي الظروف الاقتصادية الصعبة إلى تدهور العلاقات الإنسانية وزيادة التوترات بين الأفراد وعدم الاستقرار الاجتماعي.
فيظهر الفساد في النظام الحكومي كسبب رئيسي للإفقار، حيث يستفيد المسؤولون من الفقراء دون تقديم أي دعم حقيقي لهم، ويعاني محجوب عبد الدايم من ضغوط اجتماعية تجعله يتخذ قرارات صعبة للحفاظ على مكانته، يواجه العديد من الشخصيات في الرواية ظروفًا معيشية قاسية، مما يضطرهم إلى اتخاذ خيارات غير أخلاقية للبقاء. تعكس الرواية كيف أن الفقر يمكن أن يؤدي إلى فقدان الكرامة الإنسانية. كما تتناول الرواية التغيرات السريعة التي تحدث في المجتمع المصري بعد الحرب العالمية الثانية، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة بين الطبقات الاجتماعية.

وهناك تغيرات في السلوك الأخلاقي، حيث تظهر الشخصيات تغيرات ملحوظة في سلوكها الأخلاقي نتيجة للأزمات الاقتصادية، ففي “فابيان”، يتحول ياكوب فابيان من شاب مثالي إلى شخص مضطر للتخلي عن مبادئه بسبب الضغوط المحيطة به، بينما محجوب في “القاهرة الجديدة” يجد نفسه مجبرًا على اتخاذ قرارات تتعارض مع قيمه الشخصية من أجل الحفاظ على شرفه وكرامته.

وهناك التصوير الثقافي للأزمة الاقتصادية، فيصور كاستنر الأزمة الاقتصادية بأسلوب ساخر، مما يبرز تناقضات المجتمع الألماني ويعكس خيبة الأمل الناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة. بينما يتبنى محفوظ أسلوبًا واقعيًا يُظهر التحديات اليومية التي يواجهها الناس، مما يجعل القارئ يتفاعل مع معاناتهم بشكل أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى