كتبت :فاطمه احمد محمد
زواج القاصرات في العالم العربي والأسس الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذه الظاهرة التي مازالت حاضرة في دول عربية رغم تراجع حدتها في ظل قوانين ومواثيق حقوق الإنسان.
من أكثر الحملات الحقوقية ، التي تقام في المنطقة العربية ، هي ضد تزويج القاصرات، أي الفتيات دون سن 18 عامًا. صور وفيديوهات لفتيات يلبسن “الفستان الأبيض”، يحملن دميتهن، وبوجه لا يفهم ما يحصل من حولهن، يرغبن في الركض واللعب في باحات المنازل مع أبناء وبنات جيلهن، لكن هنالك من قرر، وعلى الأغلب ولي أمرهن، بأن يزوجهن لرجال يكبرنهن بأعوام، أو بلا علاقة لعمر الرجل، إنما هنالك من قرر أن يرسل ابنته الطفلة إلى أقسى ظروف الحياة، أو بكلمات أخرى: أن يبيعها.
يعرّف زواج القصر أو زواج الأطفال، بأنه زواج رسمي أو اقتران غير رسمي قبل بلوغ سن 18 عامًا، وهو يطبق على الفتيان والفتيات، على الرغم من أن الفتيات أكثر تضررًا من هذه الممارسات ومعظمهن ينتمين إلى أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنية. لطالما كانت هذه الظاهرة موجودة عبر التاريخ، وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ للظاهرة في ظل فرض قوانين ومواثيق حقوق الإنسان تمنعها وتجرمها، لكنها ما زالت حاضرة في العالم وفي عالمنا العربيّ أيضًا، ووفقًا لتقارير منظمات حقوقيّة، فإن واحدة من كل سبع فتيات في المنطقة العربية تتزوج قبل أن تتم عامها الثامن عشر. وهذه الممارسات، التي تسمى أيضًا بالزواج المبكر أو القسري، هي انتهاكات لحقوق الإنسان، وتسبب الأذى المباشر للطفلات أنفسهن، سواء كان ضررًا نفسياً و/أو جسدياً .
على الرغم من أن مؤسسات عديدة تواصل باستمرار عملها ضد هذه الظاهرة، إلا أن الحديث عنها عاد بقوة إلى الإعلام والشبكات الاجتماعية مؤخرًا، خاصة بعدما اعتلت الأصوات المعارضة في العراق ضد ما جاء في مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصيّة الذي يسعى البرلمان العراقي للتصويت عليه، والذي يتضمن بين بنوده السماح بزواج القاصرات في عمر 9 “زواج القاصرات يعني تزوج ابنتك القاصر لتتخلص من فم يأكل إضافة إلى ربح تحصل عليه من المهر، فهي عملية بيع بشعة تحت مسمى الزواج.” وهو كذلك، بإمكانه أن يكون اغتصابًا “بورقة قانونية ” وفي كثير من الأحيان، بموافقة مجتمعية، وهو أيضا عملية بيع بشعة. أسباب عديدة تدفع عائلات، وبالأساس ولي أمر طفلة، إلى تزويجها قاصرًا وقسرًا، منها الفقر، حيث تستفيد العائلات من مهر الطفلة لتحسين وضعها المادي وإن كان مؤقتًا، متجاهلين، بل غير مدركين، أن هذا “الحل” لا يغيّر الواقع، بل يضع الطفلة وكذلك العائلة في دائرة فقر مستمرة، خاصة بأن الطفلة التي تُزوّج مبكرًا وقسرًا، لا تكمل تعليمها المدرسي، كما وإنجابها المبكر أيضًا للأطفال يعرضها إلى خطر جسدي ونفسي، وفي أحيان كثيرة إلى الوفاة. فإن المعادلة البشعة هذه، وغيرها من الأسباب غير المبررة، هي بمثابة بيع للطفلة، والتعامل معها كسلعة فقط، بلا أي اهتمام لما تتعرض إليه من أذى، وهذا جزء وامتداد للتعامل الذكوري مع المرأة ودورها في مجتمعاتنا، سواء كان ذلك ضمن “القانون” أو العادات الاجتماعية ، وفي كثير من الأحيان، تعيش هذه الظواهر في مجتمعاتنا وتتواصل ضمن ذريعة “المحافظة على تماسك المجتمع”، لكن ألم نفهم بعد أن المجتمعات لا يمكن لها أن تتماسك طالما بقيت المرأة فيها مقموعة؟!
لا تشرع كل الدول العربية زواج القصر/ الأطفال، هنالك العديد من البلاد التي حددت سن الزواج عند 18 عامًا، مثل الأردن، مصر والمغرب، لكن للأسف، القوانين ليست قوية كما يجب، حيث تستغل بعض العائلات ثغرات قائمة في القوانين لتنفيذ زواج فتياتها دون السن الزواج المفروض، وبالتالي، على الرغم من القوانين التي سنتها بعض الدول العربية ، وعلى الرغم من ازدياد الوعي بشأنها، لا زالت ظاهرة الزواج المبكر موجودة، خاصّة في حال قبولها “اجتماعيًا وثقافيًا” في سياق العائلات ومحيطها الاجتماعي. في كثير من الأحيان، تكون دوافع الأسر بتزويج بناتها هو “حفاظًا على شرف الأسرة”، حيث تعتبر عقول ذكوريّة عديدة، والعقول الذكوريّة ليست حصرًا على الرجال فقط، إنما هنالك قبول من بعض النساء لهذه المعتقدات، بأن على الفتاة أن تتزوج صغيرة من أجل “القضاء على إمكانية ” أن يكون لها أي علاقة عاطفيّة و/أو جنسيّة قبل الزواج، وبالتالي، يبقى الألم الأساسي هو بأن هنالك عائلات ترى بأن “منح” أو “بيع” ابنتها وهي في سن صغير، أمر يقع ضمن خانة “شرف العائلة”، وأن قيمتها كإنسان، والتعامل معها وفقًا لذلك، لا علاقة له بـ”شرف العائلة”.
يقع قمع النساء، في مراحلهن العمريّة المتنوعة، ضمن خانات عديدة، دينية كانت أو ثقافية أو مجتمعية ، كما وتشرع قوانين سياسية في بعض الدول هذا القمع وفقًا لأسباب تكرس بل وتخدم العقول الذكورية في المجتمعات. زواج القاصرات قسرًا، يقع ضمن هذه المنظومة. قصص مؤلمة كثيرة بإمكاننا أن نسمعها يوميًا، بالمقابل، النضال ضد هذه الظاهرة مستمر في البلاد العربية ، وبالطبع، له تأثير إيجابي كبير على ازدياد الوعي. وهنالك قصص أيضًا لفتيات تم تزويجهن مبكرًا وقسرًا، عرفن كيف يستعدن حريتهن لوحدهن، مثل نجود علي، الطفلة اليمنية ، التي دخلت بمفردها في عام 2008 إلى قاعة المحكمة وهي في العاشرة من عمرها للحصول على الطلاق من رجل يبلغ من العمر 30 عامًا. ما زال الطريق طويلًا، على أمل أن نصل إلى مرحلة، في هذا العالم، تشعر فيه الفتاة بالأمان وبقيمتها كإنسان، على الأقل، في حضن عائلتها.