بقلم مجدي يونس
المساجد أقيمت ورفعت لعبادة الله وحده، فهي لله وبالله ومن أجل الله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }؛ لذلك لا يعمرها إلا المؤمنون قال تعالى: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } والعمارة هنا عمارة مادية ومعنوية أي من يبني ويسعى في بنائها، ومن يعمرها بالصلاة والذكر والتسبيح وقراءة القرآن وعبادة الله عز وجل.
جاء في كتاب مساجد مصر وأولياؤها الصالحون:
“فالمساجد دين وخلق وهدى ونور وصومعة الناسك، ومدرسة الدارس، ودينا وقوة، ودرك للعزة في الأولى والفوز العظيم في الآخرة”
ولمصر مكانة رفيعة في عمارة المساجد وبنائها وزخرفتها منذ الفتح الإسلامي لمصر عام 21 هجريا، ومنذ ذلك الحين حتى الآن كثرت المساجد في مصر منها مساجد معروفة مشهورة مثل مسجد الحسين، الأزهر، عمرو بن العاص، السيدة عائشة ومسجد السيدة سكينة ومسجد أحمد بن طولون، وجامع الحاكم، وجامع محمد علي بالقلعة، ومسجد السلطان حسن، ومسجد الرفاعي، وغيرها من المساجد المعروفة التي تدل على براعة البنّاء المصري على مر الدول، الفاطمية، المملوكية، الجراكسة، العثمانيون، حتى العصر الحديث، حتى تجاوز عدد المساجد والزاويا في مصر 140 ألف مسجد وجامع، وتجاوز عدد المساجد الجامعة الكبيرة 100 ألف مسجد، ولم تعد مصر بلد الألف مئذنة لأنها أصبحت بلد المائة ألف مئذنة.
وفي القرى تكثر المساجد والزوايا الصغيرة ويعد أكثرها مجهولا ، ومن هذه المساجد المسجد الصغير بقرية البجلات التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية،
وقد بني هذا المسجد في مصر عندما كانت تابعة للخلافة العثمانية في الفترة ما بين عامي ١٨٧٠ إلى عام ١٨٧٥ في فترة حكم الخديو إسماعيل على مصر أي ما يقرب من ١٥٠ سنة…
وقد بني في منطقة تكثر فيها البرك والمستنقعات على بعد أمتار من مقام ” أبو مسعود ” بني أول أمره بالطوب اللبن وسقف بالخشب والقش كغالب بيوت القرى في تلك الفترة، وكان في البداية عبارة عن زاوية صغيرة لا تسع أكثر من مائة شخص….
وبني للمرة الثانية في بداية القرن العشرين بعد إنشاء خط سكة حديد يربط محافظتي الدقهلية بدمياط ، وفي هذه المرة أعيد بناؤه بنفس طريقة بنائه الأولى ولكن هذه المرة اتسعت مساحته بعد ردم جزء كبير من البركة المحيطة به …. واستخدم في بنائه هذه المرة الطوب الأحمر…
ثم بني للمرة الثالثة في منتصف الثلاثينيات، وعمل له مئذنة صغيرة لا تتجاوز الخمسة أمتار ، يقف في صحنها الوحيد المؤذن لإعلام الناس بالصلاة، وفي هذه المرة اتسعت مساحته بدرجة كبيرة ، وسمي حينها بالجامع الصغير، وذلك لوجود جامع آخر هو الجامع الكبير الذي كان اسمه قديما جامع ومقام أحمد السخلاتي…
ثم بني للمرة الرابعة في بداية السبعينيات وهي المرة التي ظل عليها الجامع أكثر من ٥٠ سنة حتى هدم في يونيو ٢٠٢٣…
وقد اتسعت مساحته وعمل له دورات مياه كبيرة لأول مرة ، ومئذنة شاهقة بقاعدة ضخمة وجوسقين وشرفتين ورأس مدبب ينتهي بهلال نحاسي ضخم، وكان المؤذن قبل وجود مكبرات الصوت في القرية يقف في شرفة المنارة الأولى ويؤذن ليعلم الناس بالصلوات.
وقد تعاون أهل البلد في تلك المرة لبناء الجامع الصغير بقيادة عدد من رجالها العظماء منهم الأستاذ محمد عبيد ، الحاج عوض عوض السروجي ، الأستاذ الرفاعي صبره سرايا، الأستاذ حسن عبد الغفار موسى ، الحاج سيد رجب الخميسي ، الشيخ محمد عز الدين ، والشيخ عبد الرازق عز الدين ، الشيخ محمد البسطويسي، والشيخ السيد البسطويسي، والحاج عنتر عنتر شطا، والحاج طلعت أبو حسنين، وغيرهم…
وظل الجامع على ما هو عليه حتى جاء زلزال أكتوبر ١٩٩٢ ، لم يتأثر الجامع وظل شامخا راسخا، ولكن مئذنته لطولها تأثرت ومالت منحرفة قليلا ناحية الجامع، فصدر لها قرار إزالة ، وتم غلق الجامع شهورا حتى الانتهاء من هدمها، وتولى المعلم وهدان عماشة مسؤولية الهدم، وتم إزالة رأسها والجوسقين والشرفتين، وبقيت قاعدتها فقط، وتم فتح الجامع من جديد ، وبعد فترة تم إزالة القاعدة ليتسع مصلى النساء ، وبقي الأمر على ما هو عليه حتى عام ٢٠٢٢ ، فصدر له قرار إزالة عام من وزارة الأوقاف، وإعادة بنائه من جديد، وتم إزالت فعلا في يونيو 2023 م…
بعد سعي من بعض رجال البجلات المخلصين كالمهندس مصطفى المليجي الذي أخذ تعهدا على نفسه بتسليم الجامع مشيدا إلى الوزارة، وقد سار معه في هذا الطريق عدد من الرجال كالنائب خالد الحداد وهو من قرية ميت تمامة المجاورة لقرية البجلات، والحاج كمال عوض السروجي وهو ابن الحاج عوض السروجي الذي شارك في بنائه في بداية السبعينيات …
ومعهم كوكبة من محبي الخير وهم أعضاء اللجنة المشرفة على بناء الجامع مثل الأستاذ عبد الفتاح سيد أحمد، والأستاذ صبري المليجي، والأستاذ أحمد عبده سيد أحمد، وأخوه ياسر، والشيوخ : محمود جلال، وياسر أبو السعود، وجمعة أبو السعود، والكاتب الروائي مجدي يونس، والمهندس ياسر أبو زيد، والأستاذ ياسر حسين عنتر شطا، والحاج محمد أبو حافظ، والحاج محمد أبو رجب، الشيخ عبد الفتاح عماشة، الأستاذ جمعة الشهاوي، وعامل الجامع النشيط محمود الكرداوي، وغيرهم ممن تجشموا الصعاب ، وبذلوا الجهد والوقت والمال من أجل بنائه، ومعهم أهل البلد الشرفاء الذين بدأوا يتبرعون من أجل بنائه بالمال ومواد البناء من طوب وأسمنت ورمل وحديد وزلط، بل إن النساء والبنات تبرعن بحليهن من الذهب من أجل بنائه…
البلد كلها على قلب رجل واحد من أجل بناء هذا الجامع للمرة الخامسة ، وإن شاء الله سيتم بناؤه على خير ، وسيكون منارة للعلم والخير والعبادة بسواعد أبناء البلد المخلصين الشرفاء…