بقلم: الدكتوره/ هويداعزت .. كاتبة وباحثة في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة
يقول أرفيند كريشنا رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركةIBM العالمية المُتخصصة في صناعات التكنولوجيا، إنه يجب أن تستعين الحكومات بالتكنولوجيا المُتطورة وحلول الجيل الرابع لتطوير أعمالها، مُتوقعًا أن تصل مُساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي إلى 10 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
وهو ما يؤكده المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO، فرانسس غوري: “أن الذكاء الاصطناعي هو مجال رقمي جديد سيكون تأثيره على العالم بالغًا، ذلك لأنه سيغير طريقة عيشنا وعملنا”.
ولقد كانت سنة 2018 بمثابة النقلة الكُبرى للذكاء الاصطناعي، حيث نمت هذه التكنولوجيا بشكل كبير على أرض الواقع، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ونجحت في اختراق جميع المجالات التي نعاصرها، بداية من التطبيقات الإلكترونية التي تنفذ المهام بشكل آلي وسريع، مرورًا بالروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
كما يتوقع عدد من الخبراء في عالم التكنولوجيا، أن الفترة المقبلة ستشهد طفرة حقيقية نتيجة للتأثيرات الكبيرة التي تلعبها تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات، ومنها مجال الإدارة، فقد بات من الواضح أنه سيلعب دورًا هامًا داخل بيئة العمل في المستقبل، وتحديًا قويًا لأنظمة الإدارة، حيث ستتغير الأساليب الإدارية التقليدية المُتبعة، وستظهر أساليب جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي تساهم بشكل كبير في حل العديد من مشاكل الإدارة وتحدياتها.
ويعتبر توجه المُنظمات والشركات نحو التحول الرقمي واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي ضرورة حتمية في ضوء التوجه العالمي نحو رقمنة كافة العمليات الإدارية، والاستفادة من مُعطيات العصر الرقمي، ومواكبة التطور التكنولوجي الهائل في مُختلف دول العالم، حيث تسعى المّنظمات إلى رفع كفاءة البنية المعلوماتية لديها، للحصول على مُنظمات عمل ذكية تكون أكثر جاهزية للتعامل مع سوق العمل المُتغير، والثورة الصناعية الجديدة.
كما أكدت العديد من الدراسات أيضًا على أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مُنظمات الأعمال، فقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الأنظمة التنظيمية، وتحولاً جوهريًا في الأساليب الإدارية المُتبعة والتي شهدت تطورًا كبيرًا في عالم الأعمال، وأصبحت تُمثل ضرورة مُلحة لا يمكن الاستغناء عنها، حيث تُمكنها من تحقيق عدة مزايا أهمها، تحسين عملية اتخاذ القرارات، وحل المُشكلات الإدارية، فضلاً عن تخفيض التكاليف، وتحسين الجودة، وغيرها من المزايا التي تُساهم بشكل مُباشر في تعزيز تنافسية مُنظمات الأعمال وضمان بقاؤها ونموها.
كما أن آلات الذكاء الاصطناعي والوسائل التكنولوجية الحديثة، وفرت المُناخ المُناسب للعقل البشري لرفع قدرته الإبداعية والابتكارية للتطوير، وتحقيق أهداف الشركات والمُؤسسات.
ونتيجة هذه التغيرات التي يشهدها عالم الأعمال اليوم تجد إدارات الموارد البشرية نفسها أمام مشهد جديد، حيث يتوقع تقرير “وظائف المستقبل 2018” الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي” اختفاء 75 مليون وظيفة، وخلق 133 مليون وظيفة جديدة، وذلك بفضل تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة Gartner بالولايات المُتحدة الأمريكية، فإن 17% من إدارات الموارد البشرية قد بدأت في دمج الذكاء الاصطناعي لدعم وظائفها، و30% أخرى تخطط للاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
ويُنظر إلى التحولات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، أنها موجات عالية التكنولوجيا يجب أن تُسايرها الشركات والمُؤسسات والمُنظمات، حتى تتمكن من التفوق والنجاح، في ظل الرقمنة والتحولات الرقمية التي يشهدها هذا العصر.
ومع ذلك، قد يخلق الذكاء الاصطناعي بعض القيود والتحديات في وجه أولئك الذين يكون تكيفهم بطيء مع تلك التقنيات، حيث يتطلب الذكاء الاصطناعي موارد بشرية مُجهزة بالمهارات اللازمة لمساعدة المؤسسات في التغلب على العقبات الكامنة في الذكاء الاصطناعي، كما تتطلب أيضًا قادة ذوي كفاءات رقمية لضمان قدرة الموظفين المهرة على التكيف مع العالم الرقمي.
ومن هنا، فإن تطوير العمل الإداري يكمن في تعظيم قدرات وإثراء التطبيقات التكنولوجية بشكل عام وتوظيف الذكاء الاصطناعي بشكل خاص في نظم إدارة المؤسسات؛ لضمان استمرارية هذه النظم بتقديم خدماتها بدرجة عالية من الكفاءة والفاعلية.
فالعالم الرقمي يتغير باستمرار، وأصبح يُشكل تحديًا قويًا أمام منظمات الأعمال، ومنها سعي المنظمات إلى إيجاد مواهب رفيعة المستوى تُدير عملياتها الرقمية حتى تتمكن من مُواكبة ما يحدث في هذا العالم سريع التغيير، علاوة على إنشاء ثقافة تعلم رقمية مُستدامة أو المُخاطرة بالتخلف عن الركب.
وختامًا، يُمكن القول أن التفاعل مـع مُعطيات العصر الرقمي الـذي تتوالى فيـه المُسـتجدات التكنولوجيـة كل يـوم؛ لتخلـق فرصًا واعدة في إرساء قواعد جديدة ترتكز على التكنولوجيات البازغة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة، والتي يعد من أبرزها الذكاء الاصطناعي، هو أمر يستلزم تكثيف الجهود نحو تبني هذه التكنولوجيات، ورسم إستراتيجيات واضحة؛ للاستفادة منها في تحسين جودة حياة العمل.