كتبت : رابعة الختام
رغم الحضور الباھت لفنون السیرك في العالم العربي وإدراجھ دائما على ھامش الفنون الأخرى والتعاطي معھا كما لو أنھا حالة عرضیة یتم استدعاؤھا غالبا في افتتاحیات بعض التظاھرات لنشر البھجة داخل الحاضرین في صفوف الحاضرین، إلا لكن جمعیة “بابا روني لفنون السیرك” في تونس نجحت في
التأسیس لمھرجان دولي ینعقد سنویا منذ أربع سنوات تمكن من لفت الانتباه إلیه على الصعیدین المحلي والدولي رغم ضعف الإمكانیات المادیة.
وانطلقت فعالیات دورة ھذه السنة الخمیس لتستمر وإلى غایة التاسع والعشرین من یونیو/حزیران
الجاري، تؤثثھا سبعة بلدان ھي تونس وفرنسا وإیطالیا والسوید والشیلي وكولومبیا والأوروغواي. في انفتاح على إبداعات فن السیرك في العالم وتبادل
للخبرات والتجارب، بھلوانیون ومھرجون وقارعو طبول ومدربون على المشي فوق الحبال، انطلقوا
الخمیس في رحلتھم مع الفرجة والدھشة من شارع الحبیب بورقیبة بالعاصمة التونسیة على مدار تسعین دقیقة من الدھشة. وكان من المقرر أن یجوبوا شوارع
أخرى من محافظات بن عروس وسوسة والكاف ومنوبة وزغوان، ولكن الإجراءات المفروضة بسبب الجائحة أدت لتأجیل بقیة العروض إلى وقت آخر.
ویھدف المھرجان الدولي لفن سیرك الشارع إلى نشر فنون السیرك والتعریف بھا، وكسر النظرة النمطیة التي تختزل ھذا الفن في خیمة وعروض للحیوانات.
لا یقتصر المھرجان الدولي لفن سیرك الشارع على العروض الضخمة وتنشیط الشوارع بل ینظم ورشات تكوینیة بإشراف المختصین في مجال فنون السیرك.
مدیر المھرجان ھیثم القصداوي یعتبر أن الإصرار على تنظیم المھرجان رغم الجائحة كان مدروسا لأنھ یساھم في تخفیف وطأة فایروس كورونا الذي فرض
حالة من الانغلاق والتصحر على مستوى التظاھرات الثقافیة.
وقال للمرة الثانیة على التوالي ننظم المھرجان في ظروف صحیة دقیقة وذلك من منطلق إیماننا بأھمیة دور الفن في مواجھة مثل ھذه الظروف
والتخفیف من وقعھا لا سیما في ظل حالة الانغلاق والخوف الكبیرین اللذین فرضتھما الجائحة. وقد لمسنا إقبالا جماھیریا ھاما على عرض الافتتاح وھذا یدل على تعطش الناس للفرحة والبھجة التي حدت منھا الجائحة. ولھذا كنا نأمل رفقة فناني السیرك القادمین من دول عدة من العالم أن نستنھض الفرح لدى الكبار والصغار، ونذكر الجمیع بأن ھناك دائما مساحة للبھجة حتى في أحلك الظروف والفترات كالتي تعیش على وقعھا تونس.
ویضیف “فن سیرك الشارع ھو فن معاصر موجود في كل دول العالم بما في ذلك تونس وھو یلغي ثقافة الخیمة والحیوانات في عروض السیرك ویعتمد على
الفرجة التي یؤمنھا فنان السیرك. ونأمل أن ینجح المھرجان في نشر ھذا الفن أكثر وتشجیع محبیھ على الانخراط في ممارستھ خاصة وأن سیرك باباروني
ینظم تدریبات مجانیة لمن یرغب في احتراف ھذا الفن. كما نرجو أن یكون محفزا لفناني السیرك في الدول العربیة لیقوموا بخطوات مماثلة من شأنھا أن
تمنح ھذا الفن مكانة أكبر كما ھو الشأن في بقیة دول العالم”.
وفن السیرك في تونس من التقالید الفرجویة في تونس، حیث دأبت الساحات في تونس منذ عقود على احتضان عروض السیرك المدھشة سواء العروض المحلیة أو الأجنبیة، حتى أن أجیالا مختلفة لا تزال تحتفظ بصور التقطتھا ذاكرتھم ذات یوم عندما تسمرت أبصارھم أمام خیمة لعروض السیرك المبھرة أو أمام شاشة التلفاز التي كانت وفیة ھي الأخرى لنقل عروض مختلفة لتعمیم الفرجة.
ورغم والخطوات الكثیرة التي شھدتھا تونس في إطار المساعي لتكوین سیرك خاص بالبلاد برؤى جدیدة ومعاصرة، إلا أن المیلاد الحقیقي لھذا الفن بتونس كان ببعث المدرسة التونسیة لفنون السیرك سنة 2005 على ید مؤسسھا الفنان المسرحي محمد إدریس ضمن مؤسسة المسرح الوطني في عھد الرئیس الأسبق زین العابدین بن علي ومقرھا داخل المدینة العتیقة بالعاصمة. حیث یعتقد ھذا المسرحي جدا في أن التعبیر الجسدي یشمل بھلوانیات السیرك كما یشمل الكوریغرافیا ولھذا كان یشدد على ضرورة الالتفات جدیا لفن السیرك ومواكبة تطوراتھ المتعلقة خاصة بتقنیات الأداء وتكوین فرق محترفة.
واستطاعت ھذه المدرسة تكوین نواة حقیقیة لھذا الفن لا سیما في ظل التدریبات والتربصات العدیدة التي حصل علیھا الراغبون في مزاولة ھذا الفن بباریس والتي انتھت بتخرج عدد ھام من محترفي فن السیرك في تونس. ولكن وقبل أن
یستطیع أبناء ھذه المدرسة من جني ثمار ما زرعوه من جھد وتعب أغلقت المدرسة أبوابھا بمجرد رحیل محمد إدریس خطة إدارة مؤسسة المسرح الوطني
وتولي المسرحي فاضل الجعایبي الإدارة محلھ.
ورغم أن ھذه الخطوة أربكت محترفي السیرك المنضوین داخل ھذه المدرسة وأدت لتعثرھم إلا أنھا ظلت تحفزھم على مواصلة رحلتھم والنضال من أجل
البقاء وتجنب سیناریو الاندثار.
وفي سنة 2011 تم بعث جمعیة “سیرك بابا روني” في منطقة المحمدیة من محافظة بن عروس القریبة من العاصمة تونس للمحافظة على وجود ھذا الفن
وتأطیر وتدریب ھواتھ وتطویر أدواتھ ومقاربتھ الجمالیة.
ورغم المعوقات والتحدیات الكبیرة التي تواجھھا الجمعیة إلا أنھا نجحت في تنظیم مھرجان دولیا لفنون السیرك سنة 2018 معلنة بذلك أنھا أسست موعدا قار یحتفي بھذا الفن ویقدمھ للجماھیر العریضة المتعطشة لعروضھ شأنھ في ذلك
شأن الفنون الأخرى كالمسرح والسینما والموسیقى والرقص.
ویتمیز “سیرك باباروني” بقدرتھ على تقدیم عروضھ سواء داخل القاعات والمسارح المغطاة في مزج بین المسرح والموسیقى والرقص والتعبیر الجسماني
والبھلوانیات والتصمیم المتطور للأضواء، كما بمقدروره تقدیم عروض فرجویة مبھرة في مسارح الھواء الطلق أو في الشوارع العامة.